بعد الإدانة في أوسع ملف فساد وأطول محاكمة في تاريخ موريتانيا، هل يعفو ولد الغزواني عن ولد عبد العزيز

مضت أيام قليلة من الجدل بشأن الحكم الصادر على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وثلاثة من مقربيه، وعادت العاصمة إلى جدليات أخرى مثل قصة حبوب الهلوسة، وتوبة ملاك المطاعم، وشكوى مدن الداخل وهومها  من العطش الشديد إلى تردي الخدمات وتصاعد الأزمات التي لا يبدو أن لها خاتمة.

ومع تسارع الأيام تقل بشكل كبير فرص المعالجة القضائية لملف ولد عبد العزيز، أو تنعدم بشكل كامل، اللهم إذا ما استثنينا التعقيب المنتظر لدى المحكمة العليا التي تنظر غالبا في قانونية الإجراءات أكثر من ماهية الأحكام.

تهم الفساد تضيق الخناق على الرئيس السابق..

وبذلك يكون ولد عبد العزيز أول رئيس موريتاني يدان بتهم الفساد، وأول رئيس أيضا يخضع لمحاكمة مدنية، وأول رئيس ينال فترة تقاض هي الأطول من نوعها في تاريخ المحاكمات.

إلى جانب ولد عبد العزيز ثلاثة من مقربيه يقضون أحكاما مخففة، وهم صهره محمد ولد امصبوع، وصديقه ومقربه محمد ولد ابنه، إضافة إلى المدير السابق لشركة الكهرباء محمد سالم ولد إبراهيم فال الشهير بالمرخي.

وتتراوح الأحكام على هؤلاء بين سنتين وثلاث، فيما انفرد  ولد عبد العزيز بخمسة عشرة سنة نافذة، وهي الوسط بين الحدين الأعلى والأدنى للعقوبات المقررة على الجرائم التي أدين بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

ينتمي ولد عبد العزيز إلى جيل من أبناء المؤسسة العسكرية الذين دخلوها بداية الثمانينيات من مشارب متعددة، وربما أيضا يكون ولد عبد العزيز وثلة قليلة آخرون من رفاقه هم الاستثناء غير المؤدلج من بين الشباب الذين ولجوا قطاعات الجيش والأمن في تلك الفترة.

وقد ارتبط ولد عبد العزيز بصداقات محدودة ولا عميقة في المؤسسة العسكرية، وكان أكثرها رسوخا علاقته مع الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، والتي استمرت لأكثر من أربعة عقود تقريبا قبل أن تتوتر بشكل صامت ومتدرج في المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد عبد العزيز.

ودون الإغراق في "تسييس الملف" فلا يمكن أيضا تجاوز أن السياسة ومحاولة التأثير السلبي فيما بعد المأموريته الثانية كانت البوابة الأكثر خطورة عليه، وكانت المدخل الذي دخل منه التحقيق إلى البوابة الاقتصادية التي كانت مجهولة لأغلب المواطنين.

ووفق مصادر متعددة من السلطة فقد كانت مفاجأة السلطة بحجم "الأموال التي وضع عليها ولد عبد العزيز يده" أكبر كثيرا من تفاجئها مما اسمته  بتهوره السياسي وسعيه إلى "الشراكة في معقد رئاسي " لا يتسع لأكثر من شخص واحد.

أكبر ثروة مصادرة في تاريخ البلاد..

لا خلاف في أن الأموال التي صادرتها السلطات القضائية في موريتانيا والمنسوبة إلى الرئيس السابق وعدد من مقربيه تعتبر الأكبر في تاريخ البلاد، وتصل إلى ما يناهز ربع آخر ميزانية تركها ولد عبد العزيز قبل مغادرته للسلطة.

وتفوق الأموال المصادرة ميزانية عدة قطاعات وزارية، كما أنها كافية لإطلاق مشاريع ري وخطوط سريعة بين عدد كبير من مقاطعات البلاد.

ماذا كسبت السلطة من المحاكمة؟

رغم المكاسب المالية الهائلة التي استعادتها السلطة، والتي يفترض أن تعود إلى خزينة الدولة، وتأخذ مكانها في حركة موارد الدولة الموريتانية، فإنها حققت أيضا مكاسب سياسية أبرزها:

  • إفراغ المحاكمة من محتواها السياسي: رغم إصرار الرئيس السابق ودفاعه على أن ما يجري هو "استهداف سياسي محض" وقد صعب هذا الإفراغ من مهمة الرئيس وفريق دفاعه، خصوصا في ظل رفضه التعاطي مع السؤال المتكرر عن مصدر أمواله من أين لك هذا.
  • إطالة أمد المحاكمة: والتلاعب بالزمن وهو ما أدى إلى تآكل السردية السياسية التي قدمها الرئيس السابق ودفاعه.
  • تفكيك الجبهات المفترضة حول الرئيس السابق: سياسيا، واقتصاديا، حيث تفككت هذه الجبهات بسرعة بدافع الخوف من مواجهة السلطة، أو فقدان مكاسب سياسية أو مادية، وبشكل خاص فككت السلطة محاولات التقارب بين الرئيس السابق وأحزاب ذات توجهات عرقية أو فئوية.
  • تعزيز صورة النظام القوي: والتأكيد على جدية المحاكمة ونفي افتراض " مسرحية المحاكمة" حيث أثبتت ذلك الوقائع والأحكام "القاسية"                                                                                                                                                                                    للصورة أكثر من زاوية..                                                                                                                                                               يرى دفاع الرئيس السابق أن "ملف العشرية ليس ملفا قضائيا، ولا علاقة له بالقانون ولا بمحاربة الفساد، وليس مجرد استهداف لشخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز كما يرى البعض، بل هو انقلاب سياسي ناعم قام به المفسدون ونفذوه بالرئيس الحالي على نظام الأغلبية التي أفرزتها صناديق الاقتراع في العام 2019 وما قبلها، وعلى الرئيس نفسه، وعلى برنامجه الانتخابي، وعلى موريتانيا، ووفقا لنفس التحليل تتبع حلقات ذلك الانقلاب الواحدة تلو الأخرى: الحملة الدعائية المغرضة ضد الرئيس السابق وضد العشرية (إفك فساد العشرية)، فتنة المرجعية، "لجنة التحقيق البرلمانية" الفاسدة الدعية، الانقلاب على البرلمان، الانقلاب على الحكومة، الانقلاب على الرئيس السابق وتزوير متابعته، نهب ممتلكاته وممتلكات أفراد أسرته ومحيطه. الخ.."

لماذا لا تفتح ملفات أخرى..

ورغم ذلك لم يخف أيضا استهداف الرئيس السابق سواء في الملفات المفتوحة، وهو ما جعل الخناق يضيق كثيرا على ولد عبد العزيز، فيما كان فتح ملفات أخرى كفيلا بإدانة عدد آخر من المتهمين معه، وخصوصا الذين واصلوا معه إلى المراحل الأخيرة من المحاكمة، وهو ما يقوي احتمال استهدافه وحده، ردا على سعيه الحثيث لشراكة قوية في السلطة، أو حتى العمل على إسقاط النظام خلال سنته الأولى في الحكم.

يطرح اقتصار الملفات المفتوحة على عدد محدود وسياق زمني معين كثيرا من علامات الاستفهام على جدارة القضية، فلماذا يستهدف عزيز ويطبق عليه القانون بصفته الاستثناء، في حين يترك الحبل على الغارب لجماعات الفساد تأكل ما لذ وطاب وتعفى من المساءلة والمحاسبة..

أليس الأولى أن تطلق يد العدالة الناجزة حتى يذوق  رجال " مر ماصنعوا" 

ومهما يكن فإن النظام سيجد نفسه مرغما – أخلاقيا – على الأقل على فتح ملفات جديدة، خصوصا في ظل حديث واسع عن عمليات فساد واسعة ونهب للميزانيات خلال الفترة الأخيرة، وهو ما سيظل نقطة ضعف شديدة للنظام ما لم يتخذ خطوات أكثر عمقا.

رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني تحدث في حملته الأخيرة عن خطورة الفساد وخطره على التنمية وتوعد  مقترفيه بتغليظ العقوبة الرادعة، لكن شيئا ملموسا في هذا الاتجاه بات ملحا ومطلوبا.

لا ننسى أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز من جهته اكد في المحكمة أن مصدر أمواله  هبات من الرئيس الحالي وهو إن اعتبرته المحكمة في الوقت الحالي هراء ونفخا في رماد فإنه قد يسبب مصاعب للرئيس الحالي في المستقبل خاصة في ظل تبدل موازين القوة.

هل سيعفو ولد الغزواني عن عزيز؟

يبقى هذا الخيار الحل الوحيد الآن لإنقاذ الرئيس السابق من السجن الطويل والذي يعني استمراره خروج ولد عبد العزيز من السجن وهو في سن الخامسة والثمانين.

إلا أن  إصرار هذا الأخير على رفض الحلول الوسطى قد لا يكون مشجعا لولد الغزواني من بين أمور أخرى على اتخاذ مبادرة ذاتية بالعفو.

ويبقى الاحتمال الأبرز هو بقاء الرئيس السابق في السجن إلى حين نهاية مأمورية الرئيس الحالي ليكون العفو عنه أحد نقاط القوة التي يستهل بها  الوافد الجديد على القصر الرمادي ما بقي من نقاط التأزم لدى سلفه.

وبين الخيارات المختلفة تبقى محاكمة ولد عبد العزيز، الأكثر إثارة في ملفها والأطول في تاريخ جلساتها، من بين المحاكمات في تاريخ البلاد، كما تنتهي أيضا دون أن يتمكن متهمها الأبرز من الإجابة على السؤال المركزي عن مصدر أمواله، ودون أن تتمكن السلطة أيضا من إقناع الرأي العام بأنها كانت محاكمة منزوعة الدسم السياسي وأنها محاكمة لم تقصد استهداف أحد ولم تبن على الكيدية السياسية.