الإعلام الموريتاني.. بين عمق الهشاشة.. وسقوف الحرية العالية

حازت بلادنا الرتبة الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الإعلام، وتلك مفخرة لا شك، ومحمدة تشترك في صناعتها السلطة وما ورثت من سقف حرية عال، ومن قوانين ومؤسسات، وما استحدثته بدءا بتشكيل لجنة عليا لإصلاح الصحافة، باشرت عملها وقد مت مقترحاتها، حيث تعامل معها رئيس الجمهورية بكثير من الإيجابية، رغم مايراه البعض من أن جهة الوصاية نالت سلبا من نفاذية وتنفيذ تلك المقترحات والمخرجات.

ويحسب للسلطة أن السنوات المنصرمة لم تكن سنوات تضييق على الإعلام، إلا أن ما لا يمكن أن تفتخر بها السلطة هو مستوى الهشاشة، والإنهاك المتواصل بسبب غياب الدعم وانتشار المحسوبية والزبونية.

 

يحسب للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أو يحسب عليه، التراجع عن فكرة لقاء الشعب التي كانت فرصة نوعية للمصارحة مع الشعب ولطرح أسئلته ولإظهار العلاقة غير المتوترة مع الإعلام الوطني.

لا يوجد دعم مستقر ولا مستمر للمؤسسات الإعلامية في موريتانيا، ولا يوجد سلم لتصنيفها ولا تدرج مهنيها.

توجد مؤسسات عديدة ذات مقرات وعمال وعمل مؤسسي ولكنها لا تجد أي دعم وتعامل إيجابي من السلطة، ويوجد أفراد لا يملكون مستوى علميا ولا قدرة إعلامية، ينالون بشكل دائم عقودا بعشرات الملايين، وتوجه إليهم المؤسسات أموالها ووسائلها، نظرا لعلاقات زبونية.

فلو كشف المستور لرأينا عجبا، فعشرات المؤسسات تتعامل مع ناد من الأتباع تغدق عليهم من المال العمومي دون رقيب ولا حسيب،

لا توجد مقاولات للحقل الصحفي، ولا توجد مؤسسة بنكية يمكن أن تقدم قرضا لمؤسسة إعلامية، فيما صرفت مئات الملايين في قروض زبونية لمستشارين في الرئاسة ومسؤولين كبار وسياسيين.

لقد تم تمييع الحقل الصحفي، بسبب سياسة التجويع المستمرة، والإنهاك المهني الشديد، والتغييب المتواصل عن مصادر المعلومة.

لقد أنتجت هذه السياسات إخفاقا شديدا للسياسات الحكومية، التي اعتمدت على ترويج باهت وتسويق شعبوي يعتمد على بعض الهوامش الإعلامية، وبعض المنبوذين مجتمعيا، ممن يضفون على أي محتوى إعلامي اقتربوا منه ازدراء مجتمعيا

والآن يجري التباكي بشكل دائم عن غياب تسويق المنجزات، بعد أن تنكبوا الطريق الصحيحة إلى تسويقها وبشكل مقنع ومهني.

قطاع الإعلام لا وزارة له ولاينبع لمجلس أعلى فهو  مدغوم في قطاع الثقافة أو قطاع الشباب أو قطاع الرياضة، أو هما معا، المهم أنه تابع ذنب، وهل يسوى بأنف الناقة الذنب.

نحن فعلا أمام حرية إعلامية، وأمام إعلام لم تبق له غير الحرية..